اغلاق

وحينها صعد العربي على المنصة وأحرج المنظمين- تومير ميخالزون

WAZCAM, تم النشر 2020/04/20 20:46

بدى اصطفاف المظاهرة من أجل الديمقراطية في الأمس (19.4.2020) منظّم ومحكم جيّدًا. بضع السياسيين من المركز واليسار، بضع الأكاديميين وشخصيات قضائية وبضع المنظّمين. وحينها طلب العربي أن يخطب وخلط الأوراق. كما حصل قبل سنة في المظاهرة ضد الفساد في ساحة متحف تل أبيب، هذه المرة أيضًا احتار المنظمون بصدده. ثلاثة انتخابات وإدراك أنه لا يمكن إقامة ائتلاف أو انهاء حكم نتنياهو بدون العرب، لم يغيّروا الكثير.

منظمو احتجاج الراية السوداء يحاولون السير وفق خط أمان من جهتهم، أن يكون خط إسرائيلي عام. الالتصاق بمفهوم الاحتجاج النظيف وبتركيز على سلطة القانون والديمقراطية. أساس احتجاج الراية السوداء هو مزيج الألوان المألوف والمعروف لليسار الصهيوني الآخذ بالتقلص، والأبيض بصورة كبيرة، الذي يترنّح بين ميريتس، العمل، ويش عاتيد وكاحول لافان في العشرين سنة الأخيرة. معسكر لا تتعدى قوته الانتخابيّة سقف الأربعين نائبًا منذ عقد.

ضمن الحدود الواضحة- والتي شملت تشديد متكرر لإحدى قائدات الاحتجاج، شيكما شفارتسمان، حول مدى حب الدولة وإنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي في نهاية الاحتجاج- تُرسم أهداف الاحتجاج بشكل خالي من الشوائب تقريبًا: الحفاظ على قواعد اللعبة الديمقراطية، سن قوانين تمنع من متهم بالفساد من تقلد السُّلطة والدفاع عن استقلالية السُّلطة القضائية. بدون ذكر الأسماء وبدون الحديث بمضمون سياسي لا جدوى منه. فقط التعامل مع الموضوع بصورة تقنية. جئنا، نظّفنا وغادرنا. نحن هنا للحفاظ عن حجر الأساس للديمقراطية. بدون زيادة أو نقصان.

ما يثير الإعجاب في هذه اللوحة النقيّة، هو أن المتحدّثين على اختلافهم يجدون مكانًا لهم به مع القدرة على تأويله كلٌّ حسب قناعاته. فمثلًا يائير لابيد وبوغي يعلون تماهوا مع هذه المبادئ بصورة تامّة، من خلال تصريحاتهم ضد الفساد وضد شريكهم السابق بيني غانتس، الذي "دخل هودج نتنياهو" تحت النقالة، كما قال يعالون.
هكذا بدا أيضًا يائير جولان، الذي تحدّث عن الأمل وألقى خطابًا انتخابيًّا نحو إقامة قائمة انتخابية برئاسته (؟)، حيث قال "المكان الأهم هو صندوق الاقتراع". بروفيسور يورام يوفال تحدث بصورة عاطفية من القلب، حيث قال أنّ علينا أن نحب نتنياهو. وحينها صعد أيمن عودة.


درس من معلمة المدنيات

خطاب عودة ألهب الجمهور. افتتح بسرد قصة كل سياسي عربي، الذي يُدعى دائمًا في الدقيقة الأخيرة قبل بداية المظاهرة بعد تخبطات صعبة، تمامًا كما حصل قبل سنة في مظاهرة متحف تل أبيب. "قلتُ نعم! بالطبع سأشارك. سأكون شريكًا في التغيير!"، قال عودة واستمر في خطابه مشدّدًا أن المواطنين العرب لا يستطيعون النضال لوحدهم ضد العنصرية وضد هدم الديمقراطية، ولكن من دونهم تحقيق هذا الأمر مستحيلًا. فقط معًا. طبعًا ذكر انهاء الاحتلال ووضّح الحقيقة التي بحسبها بدون نضال ضد التمييز العنصري لن تكون ديمقراطية.

"من رحم الألم يولد الأمل. يمكن لهذه الأزمة أن تكون فرصة هائلة لبناء معسكر ديمقراطي، جبهة يهودية عربية واسعة من أجل السلام، المساواة، الديمقراطية والعدل الاجتماعي".

التصفيق والهتافات لخطاب عودة أصمّ الساحة. ربما عدا عن خطاب لابيد الذي كان من أوائل المتحدثين، أشعل عودة الأمسية. ضجّت الساحة كثيرًا، حتى أنّ شفارتسمان منظمة الاحتجاج صعدت الى المنصة بعد عودة وألقت بعض الكلمات التوضيحيّة: "نحن لا نوافق على الجوهر، ولكننا ننضال سويًّا على قواعد اللعبة لكي يكون بمقدورنا المناقشة والاختلاف. 
عادت وكررت أقوالها مرارًا وتكرارًا. نبرة صوتها بدت وكأنها تعتذر تارةً وتدافع تارةً، كمثل الذي يريد أن يفسر مرارًا لماذا قاموا بدعوة عودة لإلقاء خطابه. ألم تنتبه أن خطاب عودة كان الأكثر تأثيرًا على الحاضرين وما كان داعٍ لقلقهم هذا؟ لماذا لم تعطِ تحفظًا بعد خطاب يعالون؟

التفاوت بين خطاب عودة الحماسي والمُلهِم وبين حديث منظمة الاحتجاج الذين بدوا كسرد تلقيني لمعلمة مدنيات، أظهروا ربما أكثر من أي شيء آخر الصدع الأكبر في المعسكر الديمقراطي الواسع وسقفه الزجاجي. الهتافات والتصفيق الذي حظى بهم عودة أحرجوا وكشفوا عورة المركز-يسار الصهيوني، الذي يريد فقط إسرائيل الجيدة والقديمة والذي يندهش في كل مرة من جديد أن نتنياهو نجح بهدم معسكرهم بواسطة سياسة فرّق تسد وبث الذعر من "داعمي الإرهاب".

بينما نجح نتنياهو من حشد معسكر متجانس ومتماسك حوله، الذي يمتد من اليهود المتدينين (الحريديم) المناهضين للصهيونية حتى الليكود الليبرالي; يتخبط المعسكر الذي يتظاهر بكونه ديمقراطيًّا من أن يلتزم بمظاهرة مشتركة، في كل مرة من جديد.
في مركز هذا الحرج والتخبط الذي رافق المنظمين كان خوف قادة المعسكر من إقامة حكومة ضيقة بدعم القائمة المشتركة، وضعف المعسكر الذي أجبره لتجنيد شخصيات يمينية خانت داعميها مثل أورلي ليفي أبو كسيس ويوعاز هندل وتسفيكا هاوزر. ماذا يفسر الحرج الآني والدعوة في اللحظة الأخيرة تحت ضغوطات، إن لم يكن سببها ينهار الى شظايا في اللحظة التي يهتف بها الطرف الآخر صارخًا "بووز! يزبك!". 
ما دام هذا المعسكر لا يتغلب عن خوفه هذا، لن ينشأ هنا أي تغيير ديمقراطي.

اذا أراد المركز يسار من مناضلي الراية السوداء من تغيير قواعد اللعبة بشكل حقيقي وإعادة القيم الديمقراطية الأساسية للواقع الإسرائيلي- العامل الأساسي والأكثر أهمية هو التوقف عن سياسة فرّق تسد الداخلية، والمبادرة من طرفه لتعاون شجاع وقابل للتنفيذ بين العرب واليهود، والذي سيقف صامدًا وبشجاعة بامتحان بث الخوف والتحريض اليميني.

على الجانب العربي أيضًا التفكير جيّدًا ومن جديد بشأن ضم فئات متظرفة مثل التجمع. طالما المناضلين من أجل الديمقراطية يستسلمون لما يقوله اليمين، وطالما يخشون من دعوة عودة في كل مرة، ستسمر الديمقراطية بالخسارة.

يمكن للفوضى السياسية أن تنتظر

في هامش الموضوع، أثناء خروجنا من المظاهرة تطور شجار بين قلة من المتظاهرين (حسب التقديرات بين 2،000- 3،000 مشارك) وبين اثنين من داعمي نتنياهو الذين شتموا المارّة، وتمّ حجرهم في منطقة مغلقة على يد الشرطة. 
كان من الصعب عدم تذكر عنوان صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة، الذي بحسبه وعد نتنياهو في حال تمّ شطبه على يد محكمة العدل العليا (الأمر الذي ذُكر مرارًا أثناء المظاهرة) بكونه متهم بقضية جنائية لا يستطيع تشكيل حكومة- ستخرج الجماهير الى الشوارع وستحدث فوضى سياسية.
سأخيب آمالكم. شخصان مقابل أكثر من 2،000 مشترك في الأمس هذا بعيد كل البعد عن الفوضى السياسية. نعم، هذه أيام خاصّة يكون بها الخروج من البيت محدود ولدى الجمهور هموم أكثر، ولكن وجب علينا التذكير أن في أصعب أيام نتنياهو بعد انتخابات شهر سبتمبر-أيلول، لم يحضر أكثر من بضع آلاف من المشاركين المتحمسين والمتطرفين لمؤتمرات الطوارئ التي عُقدت في تل ابيب.
الحرب الأهلية ستنتظر لما بعد الأزمة الاقتصادية الأكبر في تاريخ البلاد.

heightقد يهمك ايضا