اغلاق

هيا ننظف حساب البنك

Wazcam, تم النشر 2023/08/25 16:55

معظمنا لا يعرف ذلك، لكن الأموال الموجودة في حسابنا المصرفي وصندوق التقاعد وملف الاستثمارات، تموّل الشركات والهيئات التي تضر بالبيئة. في هذه الأيام، اتحاد "أوفيك" الائتماني، في طريقه ليصبح أول هيئة في البلاد تمكننا إدارة حساب مصرفي دون استخدام أموالنا لأغراض تضر بالبيئة وبنا أيضًا. 

 

بقلم: رعوت ألون - زاڨيت

أول "صندوق توفير" حصلْتُ عليه كان حصّالة(قجّة) من جدي، وكنت الوحيدة التي تملك حق التصرف بالأموال المتراكمة فيه، حيث كنت أعرف بدقة المبلغ داخل الصندوق، سواء عندما ازداد بعد أن حصلت على المزيد من العملات المعدنية، أو عندما نقص بعد أن اخترت شراء أوراق لعب هاري پوتر. ومنذ ذلك الحين، انتقلت أموالي إلى البنك، الذي يستثمرها في شركات مختلفة، ويحصل على أجزاء منها بشكل عمولات، ولقاء ذلك، يعطيني اسعار فوائد متواضعة، وبهذا لم أعد وحدي المسؤولة عن أموالي، لأن جهة أخرى تتدخل في إدارتها، فيختار أين يستثمرها، ومقدار ما يأخذه منها.

 

في كثير من الأحيان، تستثمر البنوك وشركات الاستثمار أجزاء كبيرة من أموالنا في شركات ومشاريع تضر بالبيئة، ويؤدي نشاطها الى تفاقم أزمة المناخ، وبالتالي فإننا نستثمر في الإضرار بمستقبلنا.

 

مع ذلك، هناك كيانات في إسرائيل تتعهد بعدم الاستثمار في شركات ملوّثة للبيئة، وقريبًا، ولأول مرة، سينضم إليهم كيان يقدم خدمات بنكية، أي أنه سيكون من الممكن إدارة حساب مصرفي خال من الاستثمارات الملوثة للبيئة.

 

 

 

اقتصاد الخراب؟

وفقا لتقرير حديث، أعدته 623 منظمة بيئية من 75 دولة، فانه خلال السنوات السبع منذ توقيع اتفاقية باريس، استثمر أكبر 60 بنك في العالم ما لا يقل عن 5.5 تريليون دولار في الوقود الأحفوري الملوث للبيئة.

 

"عندما ننظر إلى المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، مثل البنوك وشركات الاستثمار، نرى أن جزءًا كبيرا جدا من أرباحها تحققه من أنشطة اقتصادية تنطوي على عناصر كبيرة من التلويث"، تقول المحامية يفعات سوليل، إحدى مؤسسي اتحاد "أوفيك" الائتماني وعضو مجلس الإدارة. "سكان حيفا، على سبيل المثال، لا يمكنهم الطلب من البنوك التي يتعاملون معها عدم الاستثمار في المصانع التي تضر بصحتهم، فالسعي لتحقيق أقصى قدر من الأرباح يتعارض مع المصالح البيئية والانسانية". 

 

 

 

"بدلا من الاستفادة من الأموال التي نذخرها للتقاعد أو في الودائع، لصالحنا، فإن الهيئات المؤسساتية التي تحتفظ بها تستثمرها في الشركات الملوثة، التي، عمليًا، تعمل ضدنا من خلال تسريع أزمة المناخ"، كما يقول روني نيمان، عضو في منتدى "الأموال النظيفة".

 

 

 

حساب جاري نظيف

الاتحاد الائتماني "أوفيك" هو تعاونية تأسست في عام 2012 وحصلت مؤخرا على موافقة للعمل كمؤسسة مالية، أي ككيان مخول بتقديم الخدمات المصرفية، مثل إدارة الحسابات المصرفية، الودائع والقروض، ومن المتوقع أن يبدأ تقديم الخدمات المصرفية من قبل الجمعية في نهاية عام 2023. يقول سوليل "أحد الأهداف الرئيسية التي حددتها أوفيك لنفسها هو الاستثمار في المبادرات البيئية وفي مكافحة أزمة المناخ، وهي تلتزم بتجنب أي ارتباط بالكيانات الملوثة أو تلك التي تضر بالمجتمع".

 

مؤخرًا، حصلت "أوفيك" على شارة "الأموال النظيفة"، وهي شارة صادرة عن منتدى المال النظيف، وهو ائتلاف من عشرات المنظمات البيئية والاجتماعية التي تهدف إلى حل المشاكل البيئية باستخدام أموالنا، ويوضح نايمان "يتم توقيع اتفاقية قانونية بين منتدى "الأموال النظيفة" وأي شركة تحصل على الشارة، تتعهد بانها لا تستثمر في الكيانات الملوثة، وأنها لن تستثمر في مثل هذه الكيانات في المستقبل". تُمنح الشارة للكيانات التي تم فحصها من قبل المنتدى، ويتم إعادة التحقّق من أهليّتها للحصول على الشارة في أوقات منتظمة.

 

الشارة هي إحدى طرق عمل منتدى "الأموال النظيفة"، وبالإضافة إلى ذلك، ينشر المنتدى كل ثلاثة أشهر "تصنيف الأموال النظيفة"، حيث يتم تصنيف الهيئات المؤسسية المختلفة وفقا لمستوى مساهمتها في تفاقم أزمة المناخ، وذلك بهدف جعل المعلومات في متناول الجمهور والتي تساعده على اختيار مكان استثمار أمواله.

 

يقول نيمان "أداة أخرى للمنتدى هي "مؤشر تل أبيب 125 للمناخ النظيف"، مع بورصة تل أبيب"، ويتابع موضحًا "يدور الحديث عن مؤشّر لأكبر 125 شركة في إسرائيل، مُستثنى منها الشركات المساهمة في أزمة المناخ.  الاستثمار فيه هو وسيلة سهلة وبسيطة للاستثمار في الشركات في الاقتصاد الإسرائيلي التي تعزز المبادرات الخضراء".

 

 

 

التمكين الديمقراطي من خلال آليات السوق

 

كما ذكرنا سابقا، تعمل "اوفيك" كتعاونية، أي منظمة مملوكة لأعضائها، وعن هذا تقول سوليل"يعمل النموذج التعاوني على تحييد تضارب المصالح المتأصل في النموذج المصرفي العادي، والذي يعمل على تعاظم الأرباح"، وتضيف "النموذج الاقتصادي في التعاونية هو منح الأعضاء أعلى أسعار فائدة ممكنة على الودائع، وأدنى مستوى ممكن على القروض، مع الحفاظ على الاستقرار" وبحسب أقوالها، فعندما يكون أصحاب البنك هم العملاء، فإنهم لا يتصرفون ضد مصالحهم الخاصة. "لذا، في حين يُنظر بعين الشك إلى إعلانات البنوك حول وقف الاستثمارات الضارة بالمناخ، فإن البنوك التعاونية تفعل ذلك كجزء من الأساس المنطقي لوجودها".

 

الخدمات المصرفية التعاونية ليست اختراعا إسرائيليًا، والنموذج موجود في أماكن مختلفة حول العالم، مثل أوروبا والولايات المتحدة. ففي أمريكا الرأسمالية، على سبيل المثال، كان في نهاية عام 2022، ما يقرب من 5000 اتحاد ائتماني تعاوني، تضم 135 مليون عضو، الذين يشكلون أكثر من نصف السكان البالغين، بأصول لا تقل عن 2.2 تريليون دولار، ومع ذلك فإن "اوفيك" هي أول مؤسسة مالية في إسرائيل تعمل كتعاونية.

 

"تتمتع التعاونيات بمزايا ديمقراطية هائلة"، يقول الدكتور أوري شارون، المحاضر في القانون والسياسة البيئية في كلية الحقوق في جامعة بار إيلان، وزميل كبير للأبحاث والسياسات في الجمعية الإسرائيلية للبيئة والعلوم البيئية، ويضيف "في مجتمع نكون فيه جميعا مستهلكين للخدمات، تقل قدرتنا على التحكم في السوق، ولكن عندما يصبح المستهلك مالكا للشركة التي تقدم له الخدمات، يتحكم الناس في جوانب أكثر أهمية من حياتهم، وهو شكل من أشكال التمكين الديمقراطي من خلال آليات السوق. 

 

 الاستثمار من أجل المستقبل

 

يقول شارون: "مفاهيم سنوات الثمانين تعتبر أنه من الناحية المالية، يتعين على الفرد أن يفعل ما سيحقق له أكبر قدر من الأرباح، وأن القرارات القيميّة يتم اتخاذها في صندوق الاقتراع"، ويضيف: "اليوم نحن نعرف أن هذا المفهوم يخدم الصناعات الملوثة، لذلك ليس من المستغرب أنه شائع جدا في سوق يتم فيه اللعب بالمال"

 

وفقا لسوليل، فإن الفصل بين المجال المالي ومجالات الحياة الأخرى أمر سخيف، لأن مجالات الحياة الانسانية متشابكة ولا تنفصل عن بعضها البعض.

 

"قوتنا الديمقراطية الحقيقية تكمن في استخدام أقوى أداة تحت تصرفنا، وهي أموالنا"، يضيف شارون، "لذلك فإن المنطق الذي يفصل القرارات القيميّة عن القرارات المالية غير سليم"

 

في السنوات الأخيرة، في حين أصبح إيجاد حلول لأزمة المناخ ضرورة وجودية، فإن سوق الاستثمارات "الأخضر" أيضًا آخذ في التضخّم. "نظريًا، فإن صعود الأسواق الخضراء ليس مستبعدًا، لأن الخدمات والمنتجات الملوثة مكلفة وتخلق أخطار" كما يقول شارون ويضيف: "مع مرور الوقت، وكلما تحققت المخاطر، وخاصة المخاطر المناخية، كلما زادت تكلفة إقامة المشاريع التجارية في المجالات التي تنطوي على مخاطر مناخية. فجأةً أصبح هناك أشياء كتنظيم وضريبة استعمال الكربون، وهذه الأمور تسبب الخسائر.

 

تجدر الإشارة إلى أن هناك كيانات أدركت ذلك، وأعلنت أنها ستتوقف عن الاستثمار في الصناعات الملوثة، لكنها تراجعت عن ذلك، وأبرز مثال على هذا هي شركة استثمارات "ألتشولر شاحم" التي أعلنت في عام 2021 أنها ستتوقف نهائيًا عن الاستثمارات الجديدة في الوقود الأحفوري، وقد تمت الإشادة بها، ولكنها عمليًا تستثمر في الشركات الملوثة.

 

وفي كلتا الحالتين، تفهم دولة إسرائيل الى اين تسير الأمور، وفي كانون ثاني الماضي أصدرت سندات خضراء بقيمة 2 مليار دولار، أي أنها التزمت باستثمار هذا المبلغ في المشاريع والمبادرات الخضراء. يوضح هذا الإجراء الذي اتخذته الدولة، أن سوق الاستثمارات البيئية يتطور وينطوي على عوائد عالية، بالإضافة إلى أن الضغط الجماهيري والنشاط من قبل وزارة حماية البيئة وهيئة السوق المالية تؤدي أيضا إلى فتح مسارات استثمار التقاعد الخضراء، مثل مسار "الاستدامة" الذي افتتحه مؤخرا صندوق تقاعد "هارئيل بينسيا"، الذي يستثمر في الكيانات التي تلبي أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

 

 يقول شارون "علينا جميعا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي" هل نفضل أن نضع أموالنا في الصناعات الملوثة، أم في الصناعات النظيفة، ونؤمّن مستقبل أبناءنا وأحفادنا؟"، وإذا كنا صادقين مع أنفسنا، فيبدو أننا نعرف الإجابة.

 

 أعدّت المقال “زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة

 

 

heightقد يهمك ايضا