كيفيّة حساب مقدار زكاة الفطر في الداخل الفلسطيني(48)

بسم الله الرحمن الرحيم

دار الإفتاء والبحوث الإسلامية(48)- البيان رقم (76)

كيفيّة حساب مقدار زكاة الفطر في الداخل الفلسطيني(48)

🟢 ذهب ابن القيم والقرضاوي وغيرهم إلى أنّ الأصناف الواردة في الأحاديث النبوية وكتب الفقهاء في تحديد نوع الطعام الّذي تُخرج منه زكاة الفطر ليست على سبيل الحصر، إنّما تدلّ على قوت البلد، ويمكن إخراج أصناف غيرها، وفقًا لقوت البلد.

🟢 تحديد مقدار صدقة الفطر بـ 30 شيكل لدينا في الداخل الفلسطيني48 مناسب، لأنه يعادل قوت أهل بلادنا، الذي في غالبه الأرز مع اللحم.

- - - - - -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

أولًا: من استقراء الأحاديث النبوية وكتب الفقهاء نجد أنّ الأصناف الواردة في تحديد نوع الطعام الّذي تُخرج منه زكاة الفطر هي: التمر، القمح، الشعير، السلت، الزبيب، الدخن، الذرة، الأرز، والأقط (لبن يابس خال من الزبد). ومن هذه الأحاديث ما ورد عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ". وَفِي رِوَايَةٍ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّام يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

ثانيا: ذهب بعض العلماء إلى أنّ هذه الأصناف الواردة ليست على سبيل الحصر، إنّما تدلّ على قوت البلد، وكلّ بلد مختلف عن الآخر، وعليه يمكن إخراج أصناف أخرى غير الواردة في الأحاديث أو كتب الفقهاء، وفقًا لقوت البلد. يقول ابن القيم: "وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأمّا أهل بلد أو محلة قُوتُهم غير ذلك، فإنما عليهم صاع من قوتهم، فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك، أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنًا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يُقال بغيره؛ إذ المقصود سدُّ خَلَّةِ المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم" [إعلام الموقعين (18/3)].

ثالثًا: يقول الشيخ القرضاوي: "وقد حدّد النبي ﷺ الأقوات التي كانت شائعة في عصره، وهي ليست على سبيل الحصر، ولهذا قال العلماء بأنّ الإخراج من غالب قوت البلد جائز، سواء أكان برًا أم أرزًا أم ذرة أم غير ذلك.." (موقع القرضاوي).

رابعًا: مقدار الصاع النبوي: الصاع النبوي الوارد في زكاة الفطر يساوي أربعة أمداد، والمد يساوي ملء اليدين المعتدلتين، وأمّا بالنسبة لتقديره بالوزن فهو يختلف باختلاف نوع الطعام المكيل. ومن هنا اختلفوا في حسابه بالكيلوجرام، فمنهم من قدّره بـ2040 جرامًا، ومنهم من قدّره بـ2176 جرامًا، ومنهم من قدّره بـ2751 جرامًا. وأمّا بالنسبة لتقديره بالرطل فذهبت المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّه يساوي خمسة أرطال وثلثًا بالعراقي، وذهب الأحناف إلى أنّه يساوي ثمانية أرطال بالعراقي. علمًا بأنّ ضبط الصاع بالأرطال في زماننا متعسّر جداً، حيث إنّ كل شيء تقريبًا أصبح يقدّر بالوزن. وقد قال الإمام النووي في روضة الطالبين: "قد يستشكل ضبط الصاع بالأرطال، فإنّ الصاع المخرج به في زمن رسول الله ﷺ مكيال معروف، ويختلف قدره وزنًا باختلاف جنس ما يخرج، كالذرة والحمص وغيرهما". (إسلام ويب).

خامسًا: مقدار الصاع في زكاة الفطر عند الفقهاء المعاصرين: قدّرها كثير من العلماء ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله، بثلاثة كيلوجرامات تقريبًا. وكذا قدّرها علماء اللجنة الدائمة (9/371). والقرضاوي يلفت النظر إلى أنّ "الصاع يساوي ربعة وزيادة بمقدار قليل، أي نحو كيلوين من الطعام (2 كلغم) أو خمسة أرطال تقريبًا، ويمكن دفع القيمة على مذهب أبي حنيفة، وإنْ كان موسرًا فالأفضل أن يدفع زيادة على قيمة الصاع، لأنّ الطعام لم يعد مقصورًا هذه الأيام على الأرز مثلًا، بل لابدّ أن يكون معه اللحم والمرق والخضر والفاكهة وغير ذلك" (موقع القرضاوي).

سادسًا: السواد الأعظم من العلماء يوجبون إخراج زكاة الفطر من الأصناف التي تُخرج منها زكاة الفطر، ولا يجوز إخراج القيمة. إلا أنّ الحنفية أجازوا إخراج القيمة، أي قيمة صاع من الأصناف الواردة في الحديث أو غالب قوت أهل البلد. والأصل أن نراعي جانب الفقير ونرجّحه على جانب الغنيّ. وكما جاء في مسند الإمام أحمد وفي البخاري وأبي داود: "وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ إلَّا عَامًا وَاحِدًا أَعْوَزَ التَّمْرُ فَأَعْطَى الشَّعِيرَ". فكان يخرج الأجود والأكثر قيمة مع أنّه يملك خيارات أخرى، وحينما نزل به ظرف أعطى الشعير، ولأنّ الغاية من صدقة الفطر هي إطعام الفقير والمسكين كما جاء عن النبيِّ ﷺ: "أنه فَرَضَ صدقةَ الفطر طُهْرةً للصائم مِنَ اللغو والرفث وطُعْمةً للمساكين"، بل وإغناء الفقير واستغنائه عن السؤال قبل يوم العيد كما جاء الحديث: "أَغْنُوهُمْ في هذا اليومِ عن المسألة".

سابعًا: لو أردنا أن نسأل في البقّالة اليوم عن أسعار هذه الأصناف: التمر، القمح، الشعير، السلت، الزبيب، الدخن، الذرة، الأرز، والأقط، وسعر الطعام المطهيّ وقوت معظم الناس اليوم في الداخل الفلسطيني48 من لحم ورز وزيت..؟ سنجد التمر الرديء وليس الجيد، الكيلو 20-25 شيكل، والزبيب 35-40 شيكل، والرز أنواع تبدأ بـ 10 شيكل وتنتهي بـ20 شيكل.. نحن في الداخل الفلسطيني48 ليس قوت بلادنا صاع شعير جافّ أو صاع قمح جافّ! هذا ينفع في البلاد التي ما زال الناس يشترون بها القمح ويطحنونه ويصنعون منه الخبز. نحن نقوّم بما يقتاته الناس عندنا غالبًا وهو الرز مع اللحم، مطهيًا مع اللحم، وكما ذكر الشيخ القرضاوي رحمه الله. خذ مثلًا لو أخذنا على سبيل المثال منطقة الغور التي يزرع فيها التمر وبالتحديد التمر المجهول، هل نقوّم هناك الصاع بـ2 كيلو قمح جاف؟

ثامنًا: إنّ ما ذهبنا إليه في دار الإفتاء والبحوث الإسلامية48 لمقدار صدقة الفطر في الداخل الفلسطيني بـ 30 شيكل ليس بالمبلغ المبالغ فيه، وهو يتفق مع مقدار قوت الداخل الفلسطيني48 تقريبًا. فقوت أهل يافا والفريديس وجزر الزرقاء وعكا السمك، وقوت أهل النقب الرز مع اللحم المطهي، ومعظم قوت سكان الداخل الفلسطيني48 اليوم الرز مع اللحم المطهي. وكما قال ابن القيم رحمه الله: "فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك، أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنًا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يُقال بغيره؛ إذ المقصود سدُّ خَلَّةِ المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم".

للتواصل:

الشيخ رائد بدير/ رئيس دار الإفتاء 0522226721

الشيخ د. محمد طلال بدران/ مدير دار الإفتاء 0525820522

الخميس 6/3/2025م - 6 رمضان 1446هـ