اغلاق
اغلاق

على خطى سير أعلام النبلاء (3) إعداد: الشيخ أمير نفار – عضو حركة الدعوة والإصلاح

, تم النشر 2025/11/11 18:20

عن محمد بن عبادة المعافري " قال : كنا عند أبي شريح - رحمه الله - فكثرت المسائل، فقال: قد درنت قلوبكم، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري استقلوا قلوبكم، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق، فإنها تجدد العبادة ، وتورث الزهادة، وتجرُّ الصداقة، وأقلوا المسائل، فإنها في غير ما نزل تقسي القلب، وتورث العداوة.."

في هذا النص الثمين من سير أعلام النبلاء جملة من الفوائد منها:

أهمية العالم العامل المربي:

يبرز من هذا النص المهم، حاجة المسلم بشكل عام وطلاب العلم بشكل خاص إلى مراجعة القلب وتطهيره من القسوة والغفلة، وذلك بالرجوع إلى أهل العلم والفضل، ممن جمعوا بين العلم والتزكية، فقد وصف الله تعالى العلماء بقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}، وذكر الإمام الشاطبي رحمه الله في هذا السياق: " وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات وهي ثلاث:

إحداهما: العمل بما علم، حتى يكون قوله مطابقًا لفعله، فإن كان مخالفًا له، فليس بأهل لأن يُؤخذ عنه، ولا أن يُقتدى به في علم.

والثانية: أن يكون ممن ربّاه الشيوخ في ذلك العلم، لأخذه عنهم، وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا كان شأن السلف الصالح.

والثالثة: الاقتداء بمن أخذ عنه، والتأدب بأدبه.

فالعالم والمربي وفق القاعدة الشاطبية هو: عامل، سبقت له تربية على يد شيوخه، وهو إلى اليوم تظهر عليه آثار تربيتهم له.

 

توازن الأمور وأثره في حياة المسلم:

يُشير هذا النص الثمين إلى أهمية التوازن في حياة المسلم، حيث أن لكل شيء قدرًا ووزنًا، ونسبة محددة، عندما يختل هذا التوازن يحدث الفساد. فلا ينبغي للمرء، وخاصة طالب العلم، أن يغتر بالمكانة أو الدور الذي يؤديه دون أن ينظر إلى الكمالات المنشودة واحتياجات الأمة الملحة. إذ إن التمسك المفرط بمجالٍ معين قد يؤدي إلى تضخيمه على حساب مجالات أخرى، مما قد يُنتج الضمور أو الفساد على المستوى الشخصي (تقسي القلب) أو على المستوى المجتمعي (تورث العداوة)...

ومما يبين أهمية التوازن في حياة المسلم، قول سيدنا سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما في وصيته له: " إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ". ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الوصية قال: "صدق سلمان".

 

أهمية علم التزكية والسلوك:

يؤكد النص على أن علم التزكية والسلوك يُعد من أهم العلوم التي تدفع المسلم نحو العمل والعبادة والزهد، كما يسهم بشكل كبير في بناء العلاقات الطيبة بين الناس، وفتح آفاق جديدة في الدعوة إلى الله عز وجل، فهذا العلم يزكي النفوس، ويهذبها، ويجعلها أكثر استعدادًا للإصلاح الذاتي والاجتماعي... وقد عبّر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عن هذا العلم بلمسة جمالية بلاغية فقال:

علم التزكية والسلوك يتكون من ثلاثة عناصر:

1- جعل الإيمان النظري شعورًا نظريًا غامرًا، وتحويله من عقل يتصور، إلى عقل يعي ويتحرّك.

2- تهذيب النفس حتى تكون بنمائها واكتمالها أهلًا للعبودية.

3- النظر إلى الوجود الصغير في هذه الحياة على أنه جزء من الوجود الكبير الممتد بعد الموت، فلا اغترار بالدنيا ولا استيحاش من الله، ولا ضيق بالعودة إليه.

ختاماً: هكذا ينبغي أن نكون، نتزود لنتحرك، وننهل لنفيض...

 

vital_signs قد يهمك ايضا